في إدانة قطع الإنترنت الشامل في أفغانستان

في إدانة قطع الإنترنت الشامل في أفغانستان

اليوم يدخل اليوم الثاني على قيام حركة طالبان بحجب خدمة الإنترنت في عموم أفغانستان، تاركة المواطنين في حالة انقطاع شبه كامل عن شبكة العالم. ولا يمكن فهم هذا الحجب الشامل للإنترنت على أنه مجرد قرار تقني أو أمني، بل هو انعكاس لمنطق أعمق لسلطة لا ترى بقاءها إلا في إسكات الأصوات وقطع شبكات الحياة. فطالبان، بهذا الفعل، لا تقطع الأسلاك والكابلات فحسب، بل تستهدف الروابط الاجتماعية والصلات الجماعية التي استطاع المجتمع الأفغاني، رغم سنوات الخراب والضغط، أن يبنيها أفقياً وبصورة ذاتية: مدارس إلكترونية كانت تمنح الفتيات والفتيان فرصة الوصول إلى المعرفة؛ وسائل إعلام شعبية انبثقت من قلب الحياة اليومية وتحولت إلى ذاكرة جماعية للعنف؛ ومواطنون صحفيون أعادوا تعريف المواطنة لا كوجود سلبي، بل كمشاركة فاعلة في الشهادة والمقاومة ضد القمع.

ومن المنظور الأناركي، فإن الإنترنت ليس سلعة محايدة أو مجرد أداة تقنية. صحيح أن بنيته التحتية قد شُيّدت وأُديرت في إطار المنطق الرأسمالي العالمي، لكن هذه الفضاءات ذاتها يمكن أن تتحول إلى ميادين للمقاومة، إذ تحتوي في جوهرها على إمكانيات للشبكات اللامركزية، وللتحرر من مركزية السلطة، ولإنتاج المعرفة من الأسفل. وما تخشاه طالبان بالضبط هو هذه الإمكانية: لحظة تجاوز الناس للأدوات الرسمية وتحولهم إلى قوة جماعية، قوة لا يستطيع أي نظام دولتي-مركزي ولا أي أيديولوجيا شمولية أن تهيمن عليها كلياً.

إن قطع الإنترنت، بهذا المعنى، ليس إلا محاولة لتمديد “سياسة الموت”: سياسة يُحظر فيها التعليم، وتُسكت فيها السرديات، وتُدفن فيها الآمال في مستقبل بديل. غير أن التجارب التاريخية للمقاومة أظهرت أن هذه السياسة لا يمكن أن تنجح تماماً. ففي اللحظة عينها التي تُقطع فيها الكابلات، تُفتح إمكانيات جديدة للبدائل: من الإعلام المستقل اللامركزي إلى التعليم السري، ومن أشكال التضامن العالمي إلى أساليب جديدة للسرد تتخطى الحدود.

إن سعي طالبان للسيطرة على تدفق المعلومات إنما يهدف إلى جعل الأجساد الاجتماعية طائعة وسلبية. لكن مثل هذه المحاولات تحمل في طياتها فشلاً بنيوياً. فالحياة، حتى في أحلك ساعاتها، تجد دائماً سبيلاً لتُسمع وتعيد وصل ما انقطع. وما يحدث اليوم في أفغانستان يذكرنا بحقيقة عميقة: الحرية ليست هبة من فوق، بل هي ثمرة أفعال المقاومة اليومية؛ من المدارس المنزلية والرسائل المشفّرة إلى التجمعات الصامتة في الشوارع وأشكال السرد الجماعي الجديدة.

إذا قرأنا هذا الحدث على أنه مأساة فقط، فقد لمسنا نصف الحقيقة. أما إذا أدركناه كساحة تستمر فيها قوى الحياة والحرية في إعادة خلق نفسها في مواجهة سياسة الموت والقمع، فسنعلم عندئذٍ لماذا لم ينجح أي جدار، ولا أي رقابة، ولا أي فعل لقطع الاتصال في إسكات الحركات التحررية. وفي هذا النضال من أجل الحرية، نحن نقف – وسنظل نقف – متضامنين مع شعب أفغانستان.

الجبهة الأناركية

Fediverse Reactions